في أحد القرى الصغيرة ، أراد أحد الملوك أن يختار لطفله الصغير مُربياً يهيّـئه لاستلام البلاد وحكم الرعية بالحكمة والروية . فشاور مستشاريه فنصحوه بمعلم واسع المعارف والاطلاع ، ذكي الرأي شجاع ، اسمه محمد .
فأرسل الملك وراء المعلم وطلب منه بكل لطف واحترام أن يقوم بتعليم وتربية ولده قيس.
فكر المعلم قليلاً ثم قال :
ـ يسعدني يا مولاي أن أقوم بهذا الأمر وبكل فخر ، ولكن على شرط واحد .
ـ ما هو أيها الاستاذ الجليل ؟
ـ لا أريد أي اعتراض أو احتجاج على طريقة تربيتي وتعليمي لولدكم .
فكر الملك ملياً بهذا الكلام ثم نظر الى المعلم فرأى الصدق والصراحة في عينيه ، فوافق على الشرط .
جلس الصبي قيس في الدرس الأول يصغي بكل ذكاء واحترام لما يفوه به المعلم محمد .
وفجأة دهش الطفل حين رأى معلمه يتعمّـد إسقاط قلمه ، ثم يصرخ بولي العهد :
ـ لماذا اسقطت قلمي أيها الأحمق الكسول ؟ وحين همّ الطفل بكل براءة الدفاع عن نفسه
تلقى بقسوة عدة صفعات أشعلت النار في قلبه وخديه . وأكمل الدرس وهو يبكي والحقد في فؤاده يكوي .. ولم يكد المعلم يأذن له بالانصراف حتى ركض الى أبيه الملك يشكو له ما أصابه من جور في الدرس الأول .. ولكن الملك لم يستجب لشكوى ولده حفاظاً على العهد الذي قطعه للمعلم ..
وتمضي السنوات تلو السنوات ، يتابع فيها المعلم محمد تعليمه لولي العهد ، حتى صار شاباً مجيد الأفعال ويضرب بعلمه المثل وذكائه الامثال ..
ويخطف الموت روح الملك الوالد وينصب قيس ملكاً جديداً على العرش ..
وما هي سوى أيام حتى يأمر رجاله بإحضار المربي محمد الذي ناء كاهله بحمل سبعين عاماً ويزيد .. ولما مثل بين يدي الملك صرخ به :
ـ آن وقت الثأر ، أتدري لماذا جئت بك يا محمد ؟
ـ لا يا مولاي .!
ـ أنسيت ما فعلته معي في الدرس الأول ؟ لقد صفعتني ظلماً أربع صفعات ما يزال لهيبها يكوي شغاف قلبي ..
فابتسم المعلم محمد وقال :
أتذكر كم مضى على تلك الحادثة يا مولاي ؟
ـ سبعة وعشرون عاماً وأربعة أشهر وخمسة أيام .
ـ يا للغرابة .. أما تزال تذكرها بكل هذا التفصيل ؟
ـ لن أنسى هذا الظلم ما حييت !
ـ صدقت يا مولاي .. هذا ما أردت أن أعلمك إياه في الدرس الأول ،
الظلم نار لا تنطفيء في قلوب المظلومين ، فإياك وظلم الناس يا تلميذي الحكيم !!
في إنتظار جميل أرائكم ... !